السراج الوهاج للمعتمر والحاج
الطواف حول البيت
أول ما يصل المحرم مكة اسم> يستحب له أن يغتسل قبل دخولها لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك.
ثم يدخل المسجد الحرام اسم> من باب بني شيبة فهو الأفضل ويجوز أن يدخل من جميع الجهات.
فإذا أراد الدخول إلى المسجد الحرام اسم> استحب له أن يقدم رجله اليمنى، ويقول: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك . وهذا الذكر يقال عند دخول المسجد الحرام اسم> وسائر المساجد ولم يثبت لدخول المسجد الحرام اسم> ذكر خاص.
أول ما يبتدئ به المحرم هو الطواف وهو تحية مكة اسم> فإن كان معتمرا أو متمتعا بالعمرة إلى الحج كان طوافه (طواف عمرة) ، وإن كان قارنا أو مفردا فهو (طواف قدوم) ، إذا وصل المحرم بالعمرة الكعبة اسم> قطع التلبية قبل أن يشرع في الطواف لأنه شرع في أسباب التحلل. رأس>
أما القارن والمفرد فإنهما يستمران في التلبية حتى رمي جمرة العقبة اسم> يوم العيد عندها تقطع التلبية.
وقد كان المشركون قبل الإسلام يأتون إلى هذا البيت، وكان من تعظيمهم له أنهم لا يطوفون بالثياب التي عصوا الله فيها ، فإما أن يستعيروا ثيابا من أهل مكة اسم> الذين هم أهل الحرم اسم> وإما أن يطوف أحدهم في ثيابه القديمة ثم يلقيها ولا ينتفع بها، وإما أن يطوفوا وهم عراة حتى لا يطوفوا بثياب فيها معصية، هكذا زعموا ! وهذا من الجهل الذي نهى عنه الإسلام، وأنكره، وأمر بأن يُطاف بالثياب التي تستر الإنسان في صلاته وعند طوافه، قال الله تعالى: رسم> يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ قرآن> رسم> (سورة الأعراف ، الآية:31) آية> ومن الزينة اللباس.
وقد أمر الله تعالى بالطواف في قوله تعالى : رسم> ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ قرآن> رسم> (سورة الحج ، الآية:29) آية> .
وفي قوله تعالى: رسم> وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ قرآن> رسم> (سورة الحج ، الآية:26) آية> .
والطواف عبادة خاصة بمكة اسم> وهي من أشرف وأفضل القربات التي يتقرب بها المسلم لله وحده، ولا يصح الطواف في غير مكة اسم> بل وليس في الأرض موضع يُطاف به سوى البيت العتيق اسم> فلا يجوز أن يُطاف بأي بقعة في الأرض، فلا يُطاف حول قبر أو مسجد أو صخرة أو غير ذلك.
والطائف بالبيت اسم> لا يدعو الكعبة اسم> ولكنه يدعو ربها امتثالا لقول الله تعالى: رسم> فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ قرآن> رسم> (سورة قريش ، الآية :3) آية> فلم يقل : فليعبدوا البيت اسم> ؛ بل جعل العبادة لرب البيت اسم> .
والطواف بالبيت اسم> يجوز في كل حال وفي كل وقت، وهو عبادة مستقلة، كما أن الاعتكاف والصلاة فيه عبادة فاضلة.
فلذلك يجوز لك أن تقصد البيت اسم> وأن تقصد الكعبة اسم> بدون إحرام، قصدك أن تطوف ولو لم تكن محرما، فحيث إن الطواف بالبيت اسم> عبادة من العبادات، فإنه يصح أن يُقْصَدَ لكي يصلى فيه، بل ويجوز أن تُشدّ إليه الرحال ولو مسيرة ألف أو ألفي كيلو أو عشرة آلاف كيلو مترا، ليس قصدك إلا أن تصلي أو تطوف بهذا البيت اسم> كما أنه يقصد لأداء مناسك الحج أو العمرة.
والطواف بالبيت اسم> كما قلنا عبادة من أشرف وأفضل القربات، يتقرب بها المحرم وغير المحرم، ولكن للمحرم ركن، فالطواف بالبيت اسم> ركن من أركان العمرة، وركن من أركان الحج، فالقادم إلى مكة اسم> بنية الحج يطوف بالبيت اسم> طواف القدوم إذا كان قارنا أو مفردا، و كذلك يطوف طواف الإفاضة الذي هو من أعمال يوم النحر، والمذكور في قوله تعالى: رسم> ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ قرآن> رسم> (سورة الحج ، الآية:29) آية> وكذلك يطوفون طواف الوداع عند مبارحتهم مكة اسم> بعد انتهاء أعمال الحج ، فيكون طواف الوداع آخر عهدهم بالبيت اسم> .
وفي الطواف يستحضر العبد أنه تعظيم لله، ليس بتعظيم للكعبة اسم> ولا لتلك البناية المخلوقة! إنما هو تعظيم لله تعالى، فالكعبة اسم> بيتٌ أمر الله ببنائه، فأمر إبراهيم اسم> عليه السلام أن يبنيه، وكذلك جدده من بعده، وأضافه الله إلى نفسه في قوله تعالى: رسم> وَطَهِّرْ بَيْتِيَ قرآن> رسم> جعله بيتا له، ولحرمة هذا البيت أمر المسلم بأن يطوف به، تعظيما لربه الذي أمر بذلك.
وهذا الطواف يشتمل على ذكر ودعاء وقراءة، ولا يصحُّ فيه غير ذلك، إلا أن الله أباح فيه الكلام، فلا يتكلم حال الطواف إلا بخير، فقد ورد في الحديث: رسم> الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير متن_ح> رسم> .
لذلك يشترط في الطواف الطهارة كما تشترط للصلاة ، ويشترط له ستر العورة، كاشتراطها للصلاة أو نحو ذلك.
ويبدأ الطواف بمحاذاة الحجر الأسود، فإذا قدر المسلم على استلامه فإنه يقبِّله، فيضع شفتيه عليه من غير تصويت ، فإن لم يستطع، لمسه بيده اليمنى وقبّلها ، وإن لم يستطع لمسه بمحجن أو عصا، وقبّل رأس المحجن أو العصا ، وإن لم يستطع ذلك كله اكتفى بالإشارة إليه - و لو من بعيد - وكبّر ومضى .
ويُشرع للحاج ألا يزاحم الحجاج من أجل تقبيل الحجر الأسود؛ بل إنْ وجد فرجة واسعة، استلم، وإلا مضى، لأنه قد يُشِقُّ على غيره في هذه المزاحمة ، ويكلف نفسه ، وقد يزاحم من لا تحل مزاحمته : كالنساء، وما أشبه ذلك.
وإذا ابتدأ الطواف فإنه يجعل البيت اسم> عن يساره، مبتدءا من الحجر الأسود -كما قلنا- ويبدأ بالاستدارة حول الكعبة اسم> وراء الحِجْر.
والحِجْر هو: البناية كنصف الدائرة التي يمر بها في جهة الشمال ويطوف من ورائها، ويحذر أن يطوف من دونها، كما يفعله بعض الجهلة، وذلك لأن هذا الحِجْر فيه جزء من البيت اسم> لأن قريشا حين جددوه، قصرت بهم النفقة، فأخرجوا جزءا من البيت اسم> نحو ستة أو سبعة أذرع من جهة الشمال، فلهذا جعل هذا الحِجْر مكملا له ليحصل الطواف بالبيت اسم> كله، لا ببعضه، فمن طاف في داخل الحِجْر لم يطف بالبيت اسم> كله، إنما طاف ببعضه.
فإذا وصل إلى الركن اليماني الذي هو الزاوية الغربية الجنوبية، فإن استطاع أن يستلمه بأن يضع يده عليه مجرد وضع ، ثم يرفعها فعل ذلك، ولا يقبله ولا يمسح بيده زاويته ولا يقبلها ولا يمسح بها وجهه ولا غير ذلك مما يقصد به التبرك ، فإن كل ذلك من البدع، وإنما جاءت السنة بوضع اليد على الركن اليماني وبتقبيل الحجر الأسود فقط ، فإن لم يستطع وضع يده كما ذكرنا ، فإنه يمضي ولا يشير إليه ، وهكذا بقية زاويا الكعبة اسم> لا يُسْتَلَمْ شيء منها.
ذكرنا أن الطواف عبادة لله وحده وليست تعظيما للكعبة اسم> ولا أستارها، ولا أركانها، فَيُنْكَرُ على من يفعل في هذا الطواف ما لا يجوز فعله، ومن ذلك أن بعضهم يتمسح بجدار الحِجْر ، فكلما مرّ عليه مسحه، ومسح بذلك وجهه وصدره ، وهذا بلا شك خطأ، ويجب أن يُنْصَحَ الذين يفعلون مثل هذه الأخطاء.
وهكذا الذين يلصقون صدورهم على جدران الكعبة اسم> يتبركون بذلك ، أو يمسحون بأيديهم الكسوة ويمسحون بها وجوههم ، فهذا كله لا أصل له، فلم يُشرع التبرك بكسوتها، ولا بحجارتها، ولا بالحِجْرِ ولا بغير ذلك.
وهكذا أجزاء بقية الكعبة اسم> كمقام إبراهيم اسم> والصفا اسم> والمروة اسم> وزمزم اسم> وجدرانها، وبقية جدران المسجد الحرام اسم> فلا يجوز التمسح بشيء من ذلك، ولم يُشرع إلا تقبيل الحجر الأسود اسم> ووضع اليد اليمنى على الركن اليماني اسم> .
وهكذا الحجرة النبوية اسم> بالمدينة المنورة اسم> والمنبر النبوي اسم> ، وجدران المسجد النبوي اسم> وغير ذلك، فلا يجوز التمسح بشيء من ذلك، فإن التمسح بشيء من ذلك يعتبر تعظيما له ! وهذا التعظيم قد يؤدِّي إلى نقص التوحيد، فإنه نوع من الإشراك.
مسألة>